موقع السلطة
الإثنين، 27 أكتوبر 2025 03:26 مـ
موقع السلطة

رئيس التحرير محمد السعدني

اقتصاد

سامر شقير: رؤية 2030 تنقل السعودية من ”جذب الاستثمار” إلى ”التأثير في المشهد المالي العالمي”

سامر شقير
سامر شقير

في تحليل معمق للتصريحات الهامة التي أدلى بها وزير الإسكان السعودي، الأستاذ ماجد الحقيل، خلال القمة العالمية للبروبتك، أكد الريادي في مجال الاستثمار، والاستراتيجي المخضرم، سامر شقير، أن هذه التصريحات لا تمثل مجرد أهداف مرحلية، بل تعكس "تحولاً فلسفياً عميقاً" في استراتيجية المملكة الاقتصادية، ينقلها من دور "جاذب الاستثمار" التقليدي إلى دور "المؤثر" الفاعل في إعادة تشكيل المشهد المالي والتقني العالمي.

وقال شقير إن خطاب الوزير الحقيل يمثل قراءة واضحة لخريطة طريق رؤية 2030، التي تجاوزت مرحلة التخطيط إلى التنفيذ المتسارع، مؤكداً أن الأرقام المعلنة هي "نتيجة وليست مجرد هدف" لبيئة استثمارية ناضجة.

مستهدف الـ 100 مليار دولار: "تمكين" وليس "جذب"

في تعليقه على مستهدف المملكة الطموح برفع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر من 30 مليار دولار حالياً إلى 100 مليار دولار سنوياً بحلول 2030، أوضح شقير: "لفهم هذا الرقم، يجب ألا ننظر إليه كهدف كمي فقط، بل كدليل على تحول نوعي. المملكة لم تعد تكتفي بتقديم الحوافز لجذب رأس المال الأجنبي؛ لقد انتقلت إلى مرحلة 'تمكين' الاستثمار عبر بناء منظومة متكاملة".

وأضاف شقير: "هذا التحول الجذري في فلسفة الاقتصاد السعودي يرتكز على أسس صلبة: بيئة تشريعية مرنة تشمل تحديثات جذرية في قوانين التجارة والملكية الأجنبية، وبنية تحتية رقمية هي من بين الأكثر تقدماً في العالم، ومناخ استثماري منفتح يربط الشرق بالغرب. برنامج المقرات الإقليمية، على سبيل المثال، هو دليل على أن المملكة لا تريد الشركات كـ 'ضيوف'، بل كـ 'شركاء' فاعلين في المنظومة الاقتصادية الجديدة".

وأشار شقير إلى أن هذا الرقم، الذي يضع المملكة في مصاف الاقتصادات الكبرى عالمياً في جذب الاستثمارات، يعكس ثقة المستثمر العالمي في استقرار واستدامة ونمو الاقتصاد السعودي غير النفطي.

"البروبتك": من البناء الخرساني إلى الاقتصاد المعرفي

اعتبر شقير أن اختيار الرياض لاستضافة القمة العالمية للبروبتك (التقنية العقارية) لم يكن صدفة، بل هو "إعلان رمزي" عن دور القطاع العقاري الجديد كقاطرة لـ "الاقتصاد المعفي" في المملكة.

وقال سامر شقير: "لقد أصاب الوزير الحقيل كبد الحقيقة حين ربط التحول العقاري بالابتكار. فالمشروعات الكبرى التي تقودها المملكة، مثل نيوم، والقدية، وروشن، والدرعية، ليست مجرد مشاريع بناء وإنشاءات خرسانية ضخمة، بل هي 'مختبرات حية' لتطبيق تقنيات المستقبل".

وتابع شقير تحليله: "قطاع 'البروبتك' هو النظام التشغيلي (Operating System) لهذه المدن الذكية الجديدة. نحن نتحدث عن استخدام الذكاء الاصطناعي في تخطيط المدن، وتوظيف إنترنت الأشياء (IoT) لإدارة الموارد بكفاءة، واستخدام تحليلات البيانات الضخمة لتحسين جودة الحياة، وتطبيق البلوكشين في السجلات العقارية. هذا يخلق سوقاً جديداً بالكامل، لا يجذب شركات المقاولات فحسب، بل يجذب عمالقة التكنولوجيا، وشركات البرمجيات، ومبتكري الحلول المستدامة من جميع أنحاء العالم".
وأكد أن هذا التوجه يحول القطاع العقاري التقليدي من قطاع كثيف رأس المال إلى قطاع كثيف المعرفة والتقنية، وهو جوهر بناء اقتصاد مستدام لما بعد النفط.

الرياض والابتكار المالي: قراءة واعية للمشهد العالمي

وصف شقير إشارة الوزير الحقيل إلى الأرقام الضخمة لسوق العملات الرقمية (9 تريليونات دولار كمعاملات مشفرة و300 مليار دولار كسوق للعملات المستقرة) بأنها "النقطة الأكثر جرأة ودلالة" في خطابه.

وقال شقير: "عندما يتحدث وزير في حكومة بحجم المملكة العربية السعودية بهذه الأرقام، فهذا لا يعني بالضرورة تبنياً كاملاً لهذه الأدوات غداً، بل يعني شيئاً أهم: 'الإدراك العميق' لحجم الثورة المالية العالمية، وأن المملكة لا تراقب هذا المشهد من بعيد، بل تدرس بفاعلية كيف تكون لاعباً رئيسياً فيه".

وأضاف: "هنا يبرز مصطلح 'الابتكار المالي المنضبط'. المملكة، عبر البنك المركزي السعودي (ساما) وهيئة السوق المالية، كانت سباقة في إطلاق 'البيئة التجريبية التشريعية' (Sandbox). هذا النموذج هو عبقرية تنظيمية، فهو يفتح الباب لشركات التقنية المالية (الفنتك) لتجربة حلول جديدة - مثل البلوكشين، وترميز الأصول، وحلول الدفع المبتكرة - ضمن بيئة آمنة وخاضعة للرقابة. هذا يوازن بشكل مثالي بين تشجيع الابتكار وضمان الاستقرار المالي".

واعتبر شقير أن هذا التوجه الاستباقي يؤهل الرياض لتكون المركز الإقليمي الأبرز، ليس فقط للتمويل التقليدي، بل "للمشهد المالي الجديد"، وتصبح منصة لإدارة وتداول الأصول الرقمية المنظمة في المستقبل.

الخاتمة: رؤية متكاملة وليست مبادرات متفرقة

اختتم سامر شقير تحليله بالتأكيد على أن قوة رؤية 2030 تكمن في "التكامل" بين مبادراتها، وهو ما لخصته تصريحات الوزير الحقيل ببراعة.

"ما نشهده اليوم ليس مبادرات متفرقة"، قال شقير. "بل هو استراتيجية متكاملة تعمل كالتالي: التشريعات الجديدة (مثل قوانين الاستثمار) تُمكّن جذب الـ 100 مليار دولار (الاستثمار الأجنبي)، وهذه الاستثمارات تجد فرصتها الكبرى في المشروعات العقارية والتقنية العملاقة (مثل نيوم)، وهذه المشروعات تُبنى بأساس (البروبتك والاستدامة)، وكل هذه المنظومة تحتاج إلى نظام مالي متطور يواكبها، وهو ما يتم بناؤه عبر (الفنتك والابتكار المالي المنضبط)".

واختتم قائلاً: "إن الأرقام التي أعلنها وزير الإسكان هي شهادة على نجاح التحول الهيكلي للاقتصاد السعودي. المملكة اليوم لا تكتفي بجذب الاستثمارات، بل تُشارك بفاعلية في صياغة قواعد اللعبة الاقتصادية الجديدة، والرياض تسير بخطى ثابتة لتكون عاصمة الابتكار المالي والتقني في الشرق الأوسط".

رؤية السعودية 2030 سامر شقير الاقتصاد السعودي الاستثمار الأجنبي الابتكار المالي البروبتك