زوجة رجل مهم: عبقرية خان يجسدها أحمد زكي 

عادة لا أفضل نسب أي عمل سينمائي في البداية سوى لمخرجه ثم باقي فريق العمل من كاتب وممثلين، لكن اعتقد أن فيلم " زوجة رجل مهم " مهما اجتهد فيه محمد خان وقدم أفضل ما لديه فتجسيد أحمد زكي الرائع لشخصية الضابط " هشام " أعطى للفيلم قيمة أكبر من تجسيد أي فنان آخر في جيله لنفس الشخصية، لذلك عبقرية وإيقاع خان الهادء وتجسيد أحمد زكي واستخدام أغاني عبد الحليم ومسيقى جورج كازازيان قدمت لنا فيلما من روائع السينما المصرية " زوجة رجل مهم " .

قصة الفيلم للكاتب رؤوف توفيق، قدم رؤوف مع زكي فيلمين " زوجة رجل مهم، مستر كاراتيه "، النجاح الأكبر تجاريا كان لمستر كارتيه، أما النجاح الفني كان من نصيب زوجة الرجل المهم ، تدور أحداث الفيلم حول حياة ضابط مباحث أراد الزواج من فتاة رآها مناسبة له وبالفعل تزوجها لتبدأ رحلة من المعاناة والألم طوال فترة زواجها منه تنتهي بمآساة مقتل والدها على يد زوجها الذي فقد عقله حين فقد وظيفته التي كان يعتبرها المصدر الأول والوحيد لقوته، من الممكن أن تسأل لماذا سمي الفيلم " زوجة رجل مهم " وليست " حياة رجل مهم "، لكنك وبعد مشاهدة الفيلم تكتشف أن الفيلم يدور من زاوية رؤية الزوجة، هي التي تحكي الأحداث باعتبارها الشخصية الوحيدة الناجية من النهاية القاسية التي راح ضحيتها والدها ثم قرر زوجها إنهاء حياته بالانتحار، وبالتالي اسم الفيلم مرتبط جدا بنهايته.

نجح الكاتب بشكل كبير في رسم الشخصيات، ضابط المباحث القوي المتسلط الذي أحب فتاة فقرر أن يبهرها بطريقته، فيظهر ذلك في مشاهد اقتحام الضابط هشام جلسة الفتاة الجامعة الرقيقة في القطار، عدم استئذانه في أخذ الكرسي المقابل لها من صاحبه المحامي الذ يعرفه جيدا، محاولته لإبهار أهلها بقدرته على إجبار الحي للقيام بإصلاحات في الشارع الخاص بهم، اعتباره موافقتها على الزواج منه تحصيل حاصل وتجهيز شقته بالكامل قبل حتى إبداء رأيها، كلها ملامح توضح شخصية الضابط هشام المختلفة تماما عن منى، تلك الفتاة الجامعية التي تختلس الوقت لمشاهد أفلام عبد الحليم وسماع أغانيه، التي تسجل بصوتها ذكرياتها مع أغاني العندليب، استطاع الكاتب أن يعقد داخل عقل المشاهد مقارنة بين الشخصيتين في الجزء الأول من الفيلم، ليبدأ الجزء الثاني بعد زواجهما بقليل ويندمج الشخصيتين ويصبح كل منهما مكمل للتاني بصورة غريبة، يكملان بعضهما بشكل متناقض صارخ، لتصبح ضحية منى الضعيفة قليلة الحيلة سببا واضحا في زيادة سيطرة وجنون القوة لدى هشام، وعلى الرغم من أنه الفيلم الوحيد الذي تعرض لأحدا 18 و19يناير، إلا أن الكاتب اعتمد على الأحداث السياسية اعتماد فني بحت لتحريك الأحداث، فالأساس في القصة هي حياة الرجل المهم الشخصية ، ويظهر ذلك واضحا في شخصية هشام الذي تأثر بفصله من عمله فتحول من التسلط والجبروت للضعف والإنكار والجنون، فالأحداث السياسية هنا سبب، وأحداث وتفاصيل الفيلم تستعرض النتيجة على حياته الشخصية هو وزوجته الحالمة التي تصطدم بشخصية زوجها المهزوة بعد فصله من عمله.

المخرج محمد خان في زوجة رجل مهم قدم نوعا من السينما الذي يصعب على عشرات المخرجين تقديمه، سينما بعنوان" سينما الشخصيات "، قدمها العبقري يوسف شاهين في فيلم " باب الحديد " وقدمها خان أيضا في " الحريف" لكن أصعبهم من رأيي هو " زوجة رجل مهم "، سينما الشخصيات هي سينما تقوم على تقديم عدد من الشخصيات والصعود بها وتطوريها حتى تكون هى الدراما نفسها، والصعوبة هنا في حصر الفيلم فى شخصيتين فقط، تراهم طوال الفيلم الذي قدم التناقضات الإنسانية بينهما في قالب سينمائي له إيقاع مميز جدا.

استطاع خان بتحكمه في أدواته الفنية تقديم شكل مختلف عن حياة زوجة ضابط المباحث، ذلك المزج الرائع بين أغانى " عبدالحليم " و موسيقى الفيلم الذي ألفها " جورج كازازيان "، موسيقى أغاني حليم الناعمة وتلك الموسيقى العسكرية، استطاع بالموسيقى أن يقدم التناقض في شخصية هشام وزوجته، مؤكدا ذلك التناقض بين الشخصيتين، يظهر ذلك بوضوح في مشهد النهاية حيث مزج أغنية " أهواك " مع تلك النغمة العسكرية الصارمة و التى سيطرت في النهاية و تختفى نغمات أغنية " أهواك " بعد قتله لأبيها .

اعتمد خان كثيرا على لقطات " الكلوز أب " لتوضيح انفعالات بعينها مثل مشهد النهاية الذى إيقاعه ثقيلا وأيضا مشاهد " الكلوز أب " على أفواههما ليوضح طريقة الأغواء التى اتبعها هشام مع منى.

ومن أهم مشاهد الفيلم والقليلة التي يشارك فيها مجموعة من الممثلين هو مشهدالحفلة التنكرية و الذى يظهر فيه الجميع مرتدين أقنعة ثم يخلعونها خصوصا قناع رجل الأعمال الذي ان عبارة عن مسخ حيواني يوضح طبيعة الشخصية، وهنا حاول خان التعبير من وجهة نظره عن مرحلة معينة سيطر فيها بعض الأشخاص وأسائوا استخدام وظائفهم مع مساعدة من المحيطين بهم وأظهر ذلك في ضحك الجميع على كلامه غير الصحيح ماعدا " منى" ليقرر بعدها هشام لومها على فعلتها بدل من مساندتها، وهو مشهد يوضح طريقة تفكير منى المتناقضة تماما لمصالح وتفكير زوجها

من المشاهد الرمزية المهمة أيضا تحقيق هشام مع الكاتب الممنوع من الكتابة داخل مصر ، حاول خان أن يوضح وجها آخر لرجال المباحث المتمثل في ذلك الضابط الشاب الذي يراعي حقوق المتهم ليأخذ الضابط " هشام " دفة الحوار من و يوجه اتهاماته لذلك الكاتب ليبدو مسيطرا.

معظم مشاهد الفيلم معبرة عن الفترة وعن الشخصيات لكن أفضلهم بالنسبة لي هي نهايته، والتي اعتبرها البعض غير منطقية، أو كان من الممكن تغييرها، لكني أراها النهاية الحتمية لأسباب، أولا هشام ورغم كل التسلط والجبروت المسيطر عليه فهوي يحب منى حبا جنونيا، ظهر ذلك واضحا في المشهد الذي أتلف فيه شريط لعبد الحليم ثم جلس فوق كرسيه وهي في الأسفل وقال لها " عاوزك تقفي جنبي وتساعديني "، طلب شخصية هشام للمساعدة صعب جدا ورغم ذلك طلبه منها لم يطلبه من أهله أو مديره، يعتبرها هي رغم معاملته السيئة لها سنده الوحيد، روحه التي يعيش بها بعد أن انتهت حياته العملية، لذلك ومن الطبيعي جدا عندما يأتي شخص ويأخذ منه روحه سيقتله، وهذا ما حدث مع أبيها.

تحدث كثيرا أحمد زكي عن تحضيره لفيلم زوجة رجل مهم وعن تقمصه لشخصية الضابط هشام، وأنه كان يعاني من آلام القولون طوال فترة التصوير من شدة تأثره بعصبية الشخصية في الأجزاء الأخيرة، لكني اعتقد ان كلام زكي عن دوره لم يعطه حقه أيضا، فهو أضاف للشخصية أبعاد تجع ل ممثل يقرر أن يقدم شخصية الضابط بعده يفكر ألف مرة

شخصية الضابط هشام يمكن تقسيمها إلى ثلاث أجزاء خلال الفيلم، ما بين القوة و الضعف ، القوة حين قرر أن يجعل منى تحبه بطريقته، قرر أن الإبهار هو خير وسيلة للحصول على قلبها، فتجد زكي مهتما بملابسه جدا في تلك الفترة ويضحك طوال الوقت ضحكة المنتصر الواثق، ثم تكتشف جانب آخر في شخصيته وهو رغبته الوصولية حتى على حساب كرامة زوجته، فتجده يضحك ضحكة المجامل المضطر بشكل تلقائي خلال مشهد الحفلة التنكرية، ثم شخصيته بعد فصله عن العمل، فتجده مهمل في نفسه وهيئته مرتعش اليدين ملقيا باللوم على كل من حوله حتى يظهره خان كأنه وحش أو مسخ بشري فى لقطة كسر المرآة و ظهور صورته مشوهة منعكسة على الزجاج المكسور،حوله، تفاصيل الشخصية ملك حقيقي للممثل، الكاتب والمخرج يضعان الخطوط الأساسية والشكل الدرامي، لكن الممثل يقدمها بطريقته، وهو ما فعله زكي في الفيلم.

دور منى الذي قدمته الجميلة" ميرفت أمين" لم يكن به صعوبة في النصف الأول من الفيلم، هي فتاة حالمة تتسم بالنعومة والرومانسية، عكس الجزء الأخير من الفيلم والذي كان توتر شخصية منى وانفعالاتها محركا قويا لأحداث الفيلم و سببا رئيسيا في توتر العلاقة مع زوجها الذي واجهته بحقيقة فصله من عمله، وصفة المواجهة كانت بعيدة تمام عن الشخصية في البداية.

لم تكن رائعة زوجة رجل مهم صدفة مثلا أو مجرد توفيق لممثل ومخرج، فهي كانت بداية لتقديم المخرج خان 3 أفلام مع أحمد زكي يعتبروا من أهم الأفلام في تاريخ السينما " زوجة رجل مهم ، أحلام هند وكاميليا ، أيام السادات " .