موقع السلطة
السبت، 2 أغسطس 2025 03:00 مـ
موقع السلطة

رئيس التحرير محمد السعدني

  • اتحاد العالم الإسلامي
  • nbe
  • البنك الأهلي المصري
مقالات رأي

اضحك الصورة تطلع حلوة: عندما نلجأ للضحك في وجه الطبقية والفقر

موقع السلطة

مع أول ثانية في الفيلم تجد التتر يبدأ بـ"أفلام وحيد حامد تقدم"، والكثير لا يعرف أن وحيد حامد بجانب كونه من أهم كتاب السيناريو في تاريخ السينما المصرية، فهو منتج لعدد من الأفلام التي أثارت جدلا واسعا وقت عرضها وتركت علامات لدى الجمهور منها "طيور الظلام، ودم الغزال"، والفيلم القريب من أجيال مختلفة رغم عدم اقترابهم عمريا "اضحك الصورة تطلع حلوة"، أنتج وحيد حامد حوالي 7 أفلام، وقلة أفلامه كمنتج توضح مدى تحمسه لتلك المشاريع التي قد تكون وقتها لم تلقى المنتج الذي يتحمس لها أو يخاطر بأمواله لتنفيذها خوفا من عدم الحصول على إيرادات جيدة بحجة قراءة السوق.

فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة"، إنتاج عام 1998 وقصة وسيناريو وحيد حامد، وحيد حامد قدم في فترة التسعينات حوالي 12 فيلما، معظمها يتناول أحداث سياسية شائكة، بدء بفيلم الراقصة والسياسي، وآخرها كان "اضحك الصورة تطلع حلوة"، والذي اعتبره واحدا من أهم وأجمل أفلامه رغم طابعه الاجتماعي البسيط، تدور أحداث الفيلم حول حياة مصور بسيط "سيد غريب" ينتقل للحياة في القاهرة بصحبة أمه وابنته بعد أن التحقت بكلية الطب وتبدأ الأحداث في إطار اجتماعي ما بين الحزن والفرح والضحك والدموع حتى ينتهي الفيلم وهو يمارس هوايته المفضلة وهي تصوير اللحظات المهمة في حياة من حوله، المبهر في الفيلم لم يكن أبدا الصراع الذي تجسد في الاختلافات التي واجهتها أسرة سيد الغريب بعد انتقالها للقاهرة بين فروق طبقية بين ابنته وزملائها في الدراسة وبين سعيه في كسب لقمة العيش بطريقة رأتها ابنته مهينة لها، لكن الأهم من الصراع في هذه النوعية من الأفلام التي تعرض حياة أسرة في فترة زمنية معينة أولا رسم وعرض الشخصيات بطريقة يتفاعل معها الجمهور وثانيا الحوار المكتوب.

نجح "حامد" في أخذ المشاهد من مقعده لمنزل سيد الغريب، بدء الفيلم بمجموعة من الاسكتشات الخفيفة المتجسدة في مواقف بين المصور وزبائنه المختلفين، ما بين الفلاح البسيط والموظف الكبير والعرسان الجدد، بدأ من هنا الكاتب أن يعرفك على بطل الحكاية المصور الذي يعشق عمله ويراه أصعب عمل في الدنيا وظهر ذلك في الجملة التي قالها لمساعده "شغلانتنا دي أصعب شغلانة في الدنيا، الوحشة عاوزة تبقى حلوة والحلوة عاوزة تبقى أحلى والوزير وخدامه، كلهم عاوزين يتصوروا"، وبعدها يأخذك الكاتب داخل حياة سيد الغريب، تجده ذلك الأب الحنون والابن البار بأمه، شخص لا يهتم بالماديات والأموال في مقابل الفن ومساعدة الأخرين، ويظهر ذلك في مشهد رفضه لبيع الاستديو الخاص به في السويس لأحد التجار مقابل إعطاء الاستديو لمساعده الذي تأكد من موهبته في التصوير، ذلك الشخص الذي يحب بكل ما فيه ويتسطيع أن يكسب حب من حوله بكلمة وابتسامة وصورة "حلوة" وهو ما حدث مع بائعة الكشك التي جسدت دورها "ليلى علوي"، ويبدأ الكاتب بعد استعراض ملامح شخصية البطل في تقديم باقي الأسرة للمشاهد، أمه، تلك السيدة التي عاصرت التهجير من السويس وعاشت من أجل ابنها وحفيدتها، سيدة تملك الحب والحنان لأسرتها وفي نفس الوقت حازمة صاحبة قرارات قوية، يظهر ذلك جيدا في مشهدها مع ابنها وقرارها بالسفر للقاهرة من أجل حفيدتها عندما قالت "رجلنا في كعب بنتنا فين ما تروح"، ومن الناحية الأخرى تجدها تعلق لحفيدتها على ملابسها ومشيتها وتوبخها عندما شعرت بتغيرها النفسي تجاه مهنة أبيها، ووصفها الكاتب على لسان شخصية سيد الغريب عندما قال "ستك روحية عاملة زي البحر يا تهاني ابعدي عنه لما الموج يبقى عالي وتقربي الهوا يبقى ماشي كدة على وش الميا"

شخصية تهاني التي جسدتها منى زكي كان حلقة الوصل بين أسرة سيد الغريب، وبين الحياة الخارجية والتغيرات، تلك الشخصية هي المحرك الأساسي في معظم أحداث الفيلم، وهي عادة معظم الأفلام الاجتماعية التي لا تحتاج لقضية قتل أو حدث عظيم لقلب الأحداث، يكفي فقط قصة حب تمر بها فتاة جامعية ويقرر حبيبها التخلي عنها بسبب الفارق الاجتماعي الضخم بينهما، استطاع "حامد"، أن يقدم مرحلة عمرية كاملة متمثلة في تهاني، تلك الفتاة المتحركة التي تحلم بمستقبل أفضل وتصدم بظروف عائلاتها المتواضعة فتتعرض لضغوط نفسية بسبب مستوى زملائها في الجماعة إلى أن تحب شخص وتعتبره كل ما لديها في الحياة ويتخلى عنها لتعود لسندها الحقيقي، والدها وجدتها، في نفس الاتجاه كانت شخصية الحبيب "طارق" والذي جسده كريم عبد العزيز، في أول أدواره، الشاب الذي تعود أن يحصل على كل شيء بسهولة وفجأة أحب فتاة فقيرة، وقرر أن يعيش معها قصة حب لن تكتمل.

قدم وحيد حامد في "اضحك الصورة تطلع حلوة" درسا قويا في فن الحوار وهو أكثر ما يميز الفيلم، لذلك نجد أجزاء من الحوار تعيش حتى الآن بين الجمهور ويتذكرها جيدا، منها جملة "القلقان عمره ما يتبسط يا سيد"، "لا يا أما احنا مش مش صغيرين.. احنا كبار أوي.. بس مش شايفين نفسنا" "العقد ما بيعملش الحقيقة.. العقد بيثبتها.. كلمة بحبك عقد.. اللمسة عقد.. النظرة عقد.. الوعد بالجواز أكبر عقد".

المخرج شريف عرفة، قدم فيلما بسيطا من ناحية الكادرات وإخراج الصورة، ورغم بساطته إلا إنه كان مناسبا لطبيعة الفيلم الذي يعرض حياة أسرة بسيطة مكونة من 3 أفراد، اهتم شريف عرفة، طوال الفيلم بما يسمى "الربط غير المباشر" بين مشاعر الشخصيات، مثلا مشهد سيد الغريب، وهو يحمل غزل البنات ويكاد يطير فرحا بنجاح ابنته ووعده لها بتحقيق أمنيتها في دراسة الطب، ثم المشهد الذي يليه وهو يخبر أمه بعدم حيلته وخوفه من عدم تحقيق حلم ابنته في الالتحاق بالكلية التي تمنتها، ينقل لنا هنا عرفة خوف سيد وحبه الكبير لابنته الذي يخشى حتى مناقشتها في تدابير أمور السفر.

مشهد سفرهم للقاهرة ووالدته تمرر كفها على ظهره في حنان ثم مشهد ابنته وهي تتعلق في ذراعه على النيل، تتالي المشاهد هنا يخبرنا بأن الأم هي مصدر الحب في تلك الأسرة الصغيرة التي توارثت منها طريقة التعامل، قد يظهر ترابط الأسرة من مجرد تشابك الأيدي في حنان، لمحات إنسانية هي الهدف الأساسي من الفيلم.

قدم المخرج البطل كأن الكاميرا الخاصة به عصا سحرية تغير في من حوله، فتجد شخص عبوس يبتسم أمام كاميرته، خلاف بين عروسين تقوم الكاميرا بحله بمنتهى السهولة، سيدة تستمد قوتها من الرصيف وتتعامل بذراعها تتحول لفتاة جميلة تنظر له في حب لمجرد صورة "حلوة" بكاميرته، ذلك الشخص البسيط الفقير لا يملك سوى الكاميرا لكسب رزقه وأيضا قلوب من حوله.

برز دور المخرج جيدا في مشهد حفل الزفاف في نهاية الفيلم، الكتابة فقط لا يمكنها إظهار مشاعر ذلك المشهد، فالمخرج من خلال قطعاته على ردود الأفعال المختلفة ما بين حبيب ابنته السابق وبين عروسته وبين والد العريس وأهل العروسة وكلام سيد الغريب جسد رسالة الفيلم والصراع الدائر بين أبطاله من أول الفيلم.

من المرات القليلة في تاريخ أحمد زكي السينمائي يجد ممثلا أمامه يجاريه في نفس مستوى تمثيله ويتفوق عليه في بعض المشاهد، عادة يغرد زكي خارج السرب، لكن في "اضحك الصورة تطلع حلوة"، استطاعت الممثلة العبقرية سناء جميل، أن تقدم تمثيلا راقيا مقنعا لدور الأم والجدة الحنونة الصارمة في نفس الوقت، لذلك كان من الضروري الحديث عنها أولا.

قدم أحمد زكي، خلال هذا العام 3 أفلام "البطل وهيستريا" بخلاف "اضحك الصورة تطلع حلوة"، كلها أفلام لا تشبه بعضها من قريب أو بعيد، لا في الملامح الشكلية والعمرية للشخصية التي يجسدها ولا في دوافع الأحداث، وهنا يكمن السر في شخصية زكي التمثيلية، ذلك الفتى الأسمر الذي جذبته جنية التشخيص ووهب لها عمره.

قدم "زكي"، دور سيد الغريب، ببعد فلسفي مكتوب السيناريو، لكن "زكي"، أضاف على البعد الفلسفي لمحة كوميدية إنسانية ظهرت في العديد من المشاهد، وهنا هو المسؤول عنها كاملة دون تدخل جمل الكاتب الحوارية، فيقدم "زكي"، في الأفان تتر ضحكا خالصا عندما حاول أن يصفف شعر أحد الزبائن فاكتشف أنها باروكة، مشهد عزومة الغداء مع جيرانهم الجدد في القاهرة والضحك الذي قدمه "زكي"، طريقته وابتسامته في كل مشهد يخرج الكاميرا فيه ليصور ابنته أو حبيبته أو زبونه تجعلك تبتسم تلقائيا، واستطاع "زكي" أن يخرج من منتهى الضحك والكوميدية ليقدم أداء مسرحي تراجيدي في مشهد حفل الزفاف أمام المدعويين كأنهم جمهوره المسرحي، لينهي الفيلم بممارسة هوايته المفضلة في خلق الضحكة على وجوه من حوله من خلال الكاميرا.

دور منى زكي، وكريم عبد العزيز، كانت دفعات قوية لهم بتقديم تاريخ فني مشرف لهما مستمر حتى الآن، نجح "زكي" في تقديم أدوار عديدة لكنه قدم في نهاية هذا الفيلم رسالة ستعيش طويلا عندما قال في آخر جملة "أهم حاجة الضحكة الحلوة".

البنك الأهلي
read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more... read more...
CIB
CIB