موقع السلطة
الجمعة، 26 أبريل 2024 06:17 مـ
موقع السلطة

رئيس التحرير محمد السعدني

  • اتحاد العالم الإسلامي
  • nbe
  • البنك الأهلي المصري
مصر

حكاية مصطفى 1000 يوم ترميم.. سر الغرفة 55 في موكب المومياوات

مصطفى إسماعيل مرمم مومياوات الملوك قبل الموكب الملكي
مصطفى إسماعيل مرمم مومياوات الملوك قبل الموكب الملكي

أوراق متناثرة وكتب عديدة، يجلس للقراءة فيها، يدون ملاحظاته هنا ويصحح الأخطاء هناك، يربط الأحداث ببعضها للخروج بمعلومات تاريخية، تسهم في نقلة حضارية تستفيد منها بلده، تلك الدراسة التي عكف عليها نحو 20 شهرًا منذ عام 2017، سخر مجهوده لها، يتعامل يوميا مع المومياوات وأشكالها، أسماؤها التي حفظها عن ظهر قلب، وأسراراها التي فتش في كواليسها، لمعرفة شكل حياة مرت منذ قرون بعيدة، واليوم تأتي اللحظة التي يتكلل فيها مجهوده بالنجاح، من خلال نقل موكب 22 مومياء من المتحف المصري بالقاهرة إلى متحف الحضارات بالفسطاط، بعد أكثر من ألف يوم من العمل داخل غرفة الأسرار بالمتحف المصري التى شهدت عملية الترميم لملوك الموكب.

أحب التاريخ القديم وأخلص له لسنوات طوال، كأنما أصابته «لعنة الفراعنة» فوقع في غرام حضارتها، ليُمنح فرصة لم تتح لغيره، لأعوام عديدة عكف الشاب المصري، مصطفى إسماعيل على ترميم ممياوات ملوك الفراعنة العظام، استعدادا لتهيئتهم لخروجهم في موكب حافل مهيب يشاهده العالم أجمع، هو حفل المومياوات الملكية الذي ينطلق من التحرير إلى متحف الحضارة، ليعيش معهم في «الغرفة 55» بالمتحف المصري، التي أعدت خصيصا لترميم الملوك استعدادا لتلك الحفلة.

حتى الساعات القليلة التي سبقت الحفل، لا يزال «مصطفى» يقبع في غرفة التحنيط بالمتحف لتجهيزها لاستقبال ملوك وملكات حكموا مصر في الزمن القديم، تلك المهمة التي وقعت على عاتقه منذ 5 أعوام، كُلف بوضع خطة ودراسة لنقل المومياوات، انتهاءً بصيانتها وتغليفها، وتحميله مسؤولية هذين الأمرين، تلك الدراسة التي استغرقت وقتا طويلا في تنفيذها «فضلت شغال على الخطة نحو 20 شهرا، دي كانت الفترة الأصعب»، لكونه يحاول ابتكار وسيلة يحافظ بها على المومياء عقب خروجها من النيتروجين، كي لا تتأثر أجساد الفراعنة.

طوال تلك الفترة كان الشاب العشريني يركز كل جهده لدراسة كل مومياء وطبيعتها وحالتها، يجمع الملاحظات ويدونها في الكتيب الذي أعده لذلك، يجري الكثير من التجارب سواء في المتحف أو في غرفته بمنزله، يقضي أغلب وقته في تحضير الدراسات النظرية للتجارب العملية بالمتحف، «الفترة دي كان فيها معلومات جديدة من خلالها عملنا خطة الصيانة والنقل للمومياوات، وكمان عملنا خطة العلاج»، لتبدأ بعد تلك الفترة مرحلة التنفيذ العملي لها».

تجارب عديدة أجريت على نقل المومياوات، والتي كان الحذر والانتباه هو المسيطر في التعامل معها، فخروجها من الفتارين التي تحتوي على غاز النتيروجين إلى البيئة العادية تصبح معرضة للإصابة بالعفن والتلف، لذلك كان يجري لها صيانة وقائية بمواد مخصصة جرى تحضيرها خلال التجارب، «المواد دي مهمتها الحفاظ على المومياء في فترة من 6 إلى 8 أشهر، ودي مواد مؤقتة مهمتها الحفاظ على المومياء»، وخلال تلك الفترة يجري تغليف المومياء بعدة طبقات حتى لا تصاب بأي أذى.

مومياء تلو الآخرى تقع على يد الشاب الحاصل على درجة الماجستير، ويستعد حاليا للحصول على الدكتوراه، رسالة تتناول الحديث عن صيانة المومياوات، يريد استغلال كل المعلومات والدراسات التي أجرها، وخبرته التي اكتسبها من عمله بالمتحف القومي للحضارة في 2011، يستجمع ذلك كله داخل الـ«غرفة 55»، التي خصصها المتحف لإجراء أعمال الصيانة، «رغم أني اتدربت واشتغلت على ترميم المومياوات منذ الجامعة وحتى في العمل، كل مرة الدنيا بتبقي سهلة بالنسبالي بس المرة دي هي الأصعب في حياتي»، فتلك المرة يقف أمام ملوك الفراعنة وينتظرهم موكب مهيب.

مومياء الملك رمسيس الثاني.. هي آخر ما انتهى «مصطفى» من ترميمه، والتي كانت حالتها مناسبة مقارنة بغيرها من المومياوات الملكية، فهناك بعض الملوك كانت أجسادهم بها الكثير من الكسور وفي حالة سيئة، ما تطلب منه جهدا كبيرا في عملية الترميم، من الفريق الذي وصل عدده إلى 20 شخصا، «دي المرة الأولى يكون في فريق مصري بالكامل يتولى صيانة مومياوات ملكية، «ده فخر لينا أننا حققنا حاجة زي دي».

علمية الترميم انتهت وظل التحدي الأكبر، الطريقة التي سُينقل بها الملوك والملكات، فكان الحل الذي ابتكره في الـ«غرفة 55»، هو عبارة عن «كبسولة»، توضع المومياء داخلها، وتحقن بغاز النيتروجين، ولكل مومياء حالة خاصة به، وتغلق بشكل محكم، «البيئة دي تضمن للمومياء أنها تفضل على حالتها، من غير تأثير لنحو 5 سنين»، كذلك المواد بداخل «الكبسولة» خالية من الحموضة، والمجال الكهربائي بها صفر، كي يتم القضاء على أي احتمالات لتأثرها بأي شكل من الأشكال.

أغلقت «الكبسولات»، ومعها تبدأ عملية تحضيرها للنقل جنبا إلى حنب، والتأكد من الغلق المحكم، وضمان عدم فتحها مرة أخرى حتى النقل لمقرها الجديد في المتحف القومي للحضارة المصرية في منطقة الفسطاط، الذي وضع حجر أساسه في عام 2002، وهناك يتم تجهيز غرفة هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، «مجهزة بالنتروجين بالكامل، ومن الممكن أن تحفظ فيها المومياوات دون أضرار، حتى العرض في الفتارين».

في الساعات القليلة المتبقية، ينتظر «مصطفى» بفارغ الصبر موعد بدء الموكب، ليفخر بما قام به طوال السنوات الماضية التي تجاوزت الألف يوم، «هكون في قمة سعادتي أن هكون جزء من الحدث المهم ده واللي العالم كله منتظره».

البنك الأهلي
مومياوات موكب المومياوات الملكية المومياوات الملكية الملوك الفراعنة متحف الحضارات الفسطاط المتحف المصري
tech tech tech tech
CIB
CIB